كلمة “استغرب”
ومن الكلمات التي خطّئوا فيها الناس كلمة “استغرب”؛ فلا تقل: ا”ستغربت هذا الأمر” ، أي: عددته غريباً.
سبب الظن الخطأ
أنهم يرون أن هذا الفعل “استغرب” لم يأت في المعجمات إلا لازما بمعنى المبالغة في الضحك. قال في اللسان:
واستغرب عليه الضحك: اشتدّ ضحكه ولجّ فيه.
بيان صحة الاستعمال
ونحن لا ننكر عليهم ذلك ولكننا نستغرب ما يقولون؛ لأن هذا الفعل استعمل كثيراً في القديم والحديث وأقيسة اللغة لا تأباه.
وأصله من “غَرَبَ” الشيء “يغرُب” أو “غَرُبَ يغرب غرابة”، بمعنى بعُد ، فهو غريب أي: بعيد عن المعروف المألوف. فإذا أدخلنا عليه “السين” و”التاء” للاعتداد والإصابة قلنا: “استغربت الشيء”، أي عددته غريباً، كما نقول: ا”ستحسنت الشيء”، أي أصبته حسناً، و”استقبحته”، أي وجدته قبيحاً، و”السين” و”التاء” للطلب أو الإصابة قياسية.
قال سيبويه:
الباب في “استفعل” أن يكون للطلب أو الإصابة، وإذا قالوا: “الباب”، فهذا معناه القياس.
وقال ابن يعيش:
والغالب في هذا البناء “استفعل” الطلب والإصابة، وما عدا ذينك فإنه يُحفظ حفظا ولايقاس عليه.
ومما زعموا أن الفعل “صارح” لا يكون إلا لازماً، وأن الكُتّاب يخطئون حين يقولون: “صارحت فلانا برأيي”.
ودليلهم على ذلك أن المعجمات التي يعول عليها لم تأت بهذا الفعل إلا لازما، ولكن أبا طالب عمّ النبي صلى الله عليه و سلم يقول:
وقد صارحونا بالعداوة والأذى *** وقد طاوعوا أمر العدو المزايل
فاستعمل صارح متعدياً.
وهذا دليل يساق إلى أدلة كثيرة ذكرتها على أن المعجمات لم تحصر كل كلام العرب، وأنه يجب التريث والبحث قبل البَتّ بنفي كلمة من ساحة اللغة الصحيحة.
………………………………………..
المصدر:
- جارميات صـ (241 – 243).