كلمة “تعوّد على”
ومن هذه الكلمات التي لا تزال محكوما عليها بالخطأ من جميع المعلمين والمتأدبين كلمة “يدعوه كذا”، و “تعود على كذا”؛ فلا يجوّزون مطلقا أن يكتب كاتب مثلا
“إن التغاضي عوّد فلانا على الكسل”
أو أن يقول:
“إن فلانا تعود على الإهمال”
سبب الظن الخطأ
سببه أنهم رجعوا إلى معجمات اللغة فرأوها مجمعة على تعدية الفعل بنفسه؛ لذلك يحتّمون أن يقال:
إن التغاضي عوّد فلانا الإهمال فتعوده
بيان صحة الاستعمال
و لكننا نريد أن نفهم نصوص اللغة معهم في هدوء و تؤدة ففيها:
وعاد فلان على الشيء، وإلى الشيء: رجع إليه
وفيها:
وعاد فلان الشيء صار عادة له
وفيها:
وعوّد كلبه الصيد جعله يعتاده
فالفعل “عاد” في كل هذه التعاريف معناه: الرجوع إلى الشيء أو العمل؛ فإذا تكرر هذا الرجوع صار عادة، وإذا جاز أن نقول:
“عاد فلان على الشيء بمعنى رجع”
ألا يجوز حينما نريد أن نعدي هذا الفعل إلى المفعول بالتضعيف أن نقول:
عوّد فلان فلانا على الشيء
أي: أعاده إليه مرة بعد أخرى. هذا بدهي كما نقول:
سار فلان على نهج قويم، وسيرته على نهج قويم
وحينما قالوا: “عاد فلان الشيء”، وأرادوا تعديته إلى مفعولين قالوا: “عودته الشيء”؛ ولكن اللغويين أهملوا ذكر الفعل الأول مضعّفا، وهو “عوّده على كذا”، وأَتَوا بالفعل التالي وهو “عوّده كذا”.
وإهمالهم هذا لا يدل على منع “عوده على كذا” ما دام التضعيف مسموعا وما دامت العرب استعملت الفعل المجرد معدىً بـ “على”؛ فقالوا: “عاد فلان على الشيء”.
فإذا لم يؤمن المتأدبون بعد كل هذا، فأظنهم يمتلئون إيمانا عندما يسمعون قول زهير في مدح هرم بن سنان:
و عوّد قومه هرمٌ عليه *** ومن عاداته الخلق الكريم
“عودهم عليه” أي: جعلهم يعودون إليه لطلب المعروف مرة بعد أخرى.
وكذلك إذا قلت: “عوّدت فلانا الكرم “؛ كان المعنى: “جعله يعود إليه مرات فتعود عليه”.
……………………………………………
المصدر:
- جارميات