كلمة “كسول”
ظن شائع
نشأت تلميذاً فطالبا ثم مفتشا؛ و العلماء في كل هذه الأطوال وفي جميع هذه الأحوال يخيفونني من استعمال كلمة “كسول”؛ فيقولون: إياك أن تستعمل هذه الكلمة وصفاً للرجل، وإياك ثم إياك أن تقول: “هذا رجل كسول”، إنما يجب أن تقول: “رجل كسلان و كَسِلٌ”، فإذا كنت تعطف على هذه الكلمة بعض العطف، و أردت أن تعيد إليها أنفاس الحياة، فاجعلها للمؤنث و قل: “امرأة كسول”.
هذا ما استقر في أنفُس الأدباء وهذا ما يتحذلق به حذاق اللغويين منهم، و الويل ثم الويل لطالبٍ وصف في مقاله أو كتابته رجلاً بأنّه كسول. هنا تقوم محاضرة لغوية طويلة الذيول موضوعها “كسول” و “كسلان” و”كَسِل”، و أن الأول منها خاص بالنساء ولا يجوز له أن يخطر بين الفحول.
سبب الظن الخاطيء
والسبب في هذا أنهم بحثوا عن هذه المادة في المعجمات فرأوا أن صاحب القاموس يقول:
“كسل كفرح؛ فهو كَسِل وكسلان.
جمعه كسالى مثلثة الكاف، وكسالى بكسر اللام، كَسْلَى و هي كِسلة وكسلانة و كسولٌ ومكسال”
رأوا هذا النص فقالوا: إن صاحب القاموس خصص كلمتي “كسل” و”كسلان” بوصف الرجل، وخصص كلمة “كسو”ل بوصف الأنثى، و إذاً يجب أن تقول: “رجل كسول”.
ثم أرادوا أن يزيدوا وثوقاً وإيمانا فوق إيمانهم، فأسرعوا إلى أكبر مرجع من مراجع اللغة و هو لسان العرب لابن منظور فرأوا فيه:
كَسِل عنه بالكسر : كسيل و كسلان ، و الجمع : كُسَالَى و كَسْلَى
قال الجوهري:
وإن شئت كسرت اللام كما قلنا في الصحارى، والأنثى كسلة وكسلى وكسلانة وكسول ومكسال
رأوا هذا أيضا السادة فزادوا يقيناً ـ كيف لا و صاحب اللّسان يقول:
“و الأنثى كسلة و كسلى و كسول!”
هذا معناه في رأيهم أن هذه الصفات الأربع جميعا خاصة بالمؤنث لا يتصف بها سواه، و لكن أين “علم الصرف” أيها السادة؟!
وأين فقه اللغة؟ وأين فنّ كتب اللغويين؟
لا لا . لا يعنيهم من هذا شيء، هكذا قال صاحب القاموس وكفى، وهكذا قال ابن منظور و هو حسبهم.
الصواب
ليس الأمر كما تظنون أيها المتعجلون. إن علينا أن نفهم عبارة اللغويين و أن نستعين في فهمها بقبس من علم تصريف الكلام.
لا يقول علماء الصرف أيها السادة إن الوصف الذي على وزن “فعول” بمعنى “فاعل” لا يوصف به المذكر. و إنما قال: إن المذكر والمؤنث يوصفان به على السواء من غير حاجة إلى تاء التأنيث عند وصف المؤنث.
إذًا علم الصرف يجيز لنا أن نقول: “رجل كسول” و “امرأة كسول”، كما أجاز لنا أن نقول: “رجل صبور” و”امرأة صبور”.
تطبيق القاعدة
تعالوا بعد ذلك نفهم عبارة اللغويين على هذا الضوء وفي هداية هذا القبس.
ماذا قال اللغويون؟ قالوا: “يقال للرجل كسِل و كسلان”.
هذا صحيح لا غبار عليه لأن هذين الوصفين خاصان بالمذكر، و لأنه لما كان الوصف “كسولُ”” مشتركا بين المذكر و المؤنث لم يضعوه بين أوصاف المذكر، لأن البداهة تقضي بصحة أن يكون وصفا للمذكر لخلوه من تاء التأنيث؛ فلم يجدوا حاجة إلى ذِكره؛ فلما جاءوا لذكر أوصاف المؤنث قالوا: “كَسِلة” و”كسلانة” و”كسول”؛ لينصوا على صلاحية أن تكون كلمة “كسول” وصفا للمؤنث مع خلوها من التاء.
ومن هذا نرى أن اللغويين جروا على سنن تتسق مع العقل؛ فلم ينصّوا على البديهي، ونصوا على غير المألوف أو ما يصح أن يكون موضعا للشك.
و الذي يدل على هذا أن كلمة “كسول” جاءت في شعر عربي وصفا للمذكر، و قد نقل هذا الشعر صاحب اللسان في معجمه.
فالكلمة إذا لم تفُته و لم يخْف عليه مكانها، ولو كان يعرف أنه أهملها في موضعها لعاد إليه و ذكرها فيه، و لكنه كما رأينا رأى ألا يضع الكلمة مع أوصاف المذكر ، لأن صلاحيتها له من بدائه العقول.
اسمعوا ما جاء في لسان العرب في مادة “زمل”:
و الزميل الضعيف الجبان. قال أُحَيحة:
ولا وأبيك ما يغني غنائي *** ومن الفتيان زمّيل كسول
و الكسول هنا أيها السادة من الفتيان لا من الفتيات !
……………………………………..
المصدر:
- جارميات صـ (234 / 236).