كلمة “العائلة”
ربّ كلمة لهج بها المتعلمون بأنها خطأ، وجرت عليها أقلام المعلّمين الحمْر قاسيةً غاضبةً، لأنهم لم يروها في كتب اللغة ماثلة بنصها وحروفها واشتقاقها.. و ذلك ككلمة:
“عائلة”
لماذا ؟ لأنها ليست في المعجمات.
يا سادتي إن هذه الكلمة ليست مستحدثة في هذا القرن ولا في القرن الذي قبل، إنها وجدت في شعر لشعراء الدولة الأيوبية، وقد يكون لها ذكر قبل ذلك ولكني لم أعثر عليه، والدولة الأيوبية نشرتها في سنة سبع و ستين وخمسمائة.
إذن مر على هذه الكلمة المسكينة تسعون وسبعمائة عام وهي تدور على الألسنة وتُكتب في الشعر، ثم نجيء اليوم ونقول لها اخرجي من وكرك أيتها الدعية اللزيقة فلست منا ولا من لغتنا لأنك لست في معجماتنا!
يا سادتي المعجمات لا تذكر المشتقات ولو استوفت المشتقات جميعاً لعادت حجما كبيراً وعبئاً ثقيلاً.
البحث اللغوي والصرفي
تعالوا نبحث في هذه الكلمة من الوجهتين؛ “اللغوية” و”الصرفية”، وتمهلوا فإن الحكم على كلمة بالإعدام يشبه قتل النفس البريئة بغير حق.
“العائلة” على وزن “فاعلة”
وهي مشتقة من “عال” ما في ذلك ريب، فلننظر إذن معاني الفعل: “عالَ”
فنرى علماء اللغة يقولون:
“عال الرجل يعول ويعيل إذا افتقر”
يكفينا هذا فـ
“عائلة” بمعنى “مفتقرة”
ولا شك أن زوج الرجل وصغاره مفتقرون إلى من يقوم عليهم ويمونهم، فعائلة الرجل المفتقرة إليه هي “زوجه وأولاده”، وهذا هو المعنى الحقيقي الذي يقصده الناس عند التعبير بكلمة “العائلة”.
ثم نعود إلى المعجمات ثانية ، فنرى “عال” الرجل أهله “يعولهم”:
“كفاهم ومانهم وأنفق عليهم”
و”العائلة” على هذا المعنى
“فاعلة” بمعنى “مفعولة”، أي: “معولة”
واستعمال “اسم الفاعل” في معنى “اسم المفعول” شائع فصيح؛ قال الله تعالى: ﴿فهو في عيشة راضية﴾ أي: “مرضي عنها”.
ثم إن هنا معنى بليغاً، لأن “العائلة” وإن كان كاسبها يمونها هي التي في الحقيقة تمونه، لأنها تدفعه إلى الكدّ والعمل وطلب الرزق.
قال تعالى : ﴿ولاتقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقهم و إياكم﴾ فقدّم رزق الأولاد على رزق آبائهم، لأن الآباء بأبنائهم يُرزقون.
جملة القول أن كلمة “العائلة” صحيحة من ناحية الاشتقاق اللغوي على كلا المعنيين لـ “عال”.
……………………………………………………..
الكاتب:
- أ. مصعب أبو بكر أحمد