كلمة “عديدة”
بمعنى كثيرة؛ فإذا قال قائل: “زرتك مرات عديدة”، أو: “عندي كتب عديدة” خطّئوه.
سبب الظن الخطأ
أن المعجمات لم تذكر ـ في رأيهم ـ “عديدة” بهذا المعنى، و إذا وردت في المعجمات فيجب في مذهبهم أن ترد ظاهرة جلية لا تحتاج إلى إعمال فكر ، وإلى تخريج على قواعد الاشتقاق.
فقد رأوا في المعجمات مما يدور حول هذه الكلمة أن:
العديد: العدد، والكثرة، والنظير، ورنين القوس
وأن العديدة: النصيب، تقول: خذ عديدتك أي حصّتك ونصيبك.
رأوا هذا ، ولم يروا فيها أن “العديدة” تأتي بمعنى “الكثيرة”، فجهروا بأن استعمالها في هذا المعنى خطأ، وراحوا يتعالمون بذلك منذ أكثر من ثلاثين سنة، والفلَك يدور والليل يعقبه النهار، وكلمة “عديدة” بمعنى “كثيرة” على الرغم من ذلك تملأ الصحف والكتب ، وتطّرد في عبارات الأدباء المبرزين.
ويظهر أن ثبات الكلمة طوال هذا الزمن على كثرة ما كان يصيبها من الزجر والطرد دليل على حقّها في البقاء ودليل على أنها العربية تضن ببناتها أن تزال.
بيان صحة الاستعمال
تعالوا نفهم معاً أيها السادة:
استعملت اللغة “العديد” بمعنى الكثرة باتفاق منا ومنكم، ونزيد هنا أنها استعملت “العديد” بمعنى “الكثير”؛ قال الراغب في مفرداته:
ويقال: جيش عديد أي كثير.
فالعديد إذاً تستعمله العرب بمعنى الكثير؛ قالت الخنساء ترثي أخاها صخراً:
فأقسم لو بقيت لكنت فينا *** عديداً لا يكاثر بالعديد
أي لا يغالب بالكثير من الرجال.
وإذا كان “العديد” بمعنى “الكثير”؛ فهو إذا مشتق من عَدّ الشيء يعدّه، وإذا كان مشتقَّا فهو بلا شك صيغة مبالغة كـ “رحيم” و”سميع”، لأن فعله متعدّ؛ فـ “العديد”: “الكثير العدد”، كما أن “الرحيم”” “كثير الرحمة”، و”السميع”: شديد السمع.
ولاشك أن صيغة المبالغة تؤنث بالتاء، فقل إذاً: “كتب عديدة” و”مرات عديدة”؛ كما تقول: “امرأة رحيمة” و”سميعة”.
ومن هذا يظهر أن كلمة “عديدة” بمعنى كثيرة صحيحة في اللغة والقياس، لا يصيبها رشاش من شكّ.
ثم إننا نستطيع من ناحية أخرى أن نستخرجها بالنص من عبارة اللغويين؛ قالوا:
العديدة النصيب
أتدرون لم سمّوا “النصيب” في الميراث “عديدة”؟
لأنه سهام وأجزاء من الترِكة معدودة؛ فـ “عديدة الوارث”: ما أثابه من المال المعدود.
وإذا استعملت العرب “العديدة” بمعنى “المعدودة” فلم لا نستعملها نحن؟
ولا يقال هنا إن كلمة “معدودة” تفيد “القِلّة”، لأن الزّجاج يقول:
كل عدد قلّ أو كثر فهو معدود
……………………………………………
المصدر:
- جارميات صـ (241 – 243).